آيات قرآنية عن الأضحية: دلالات الإيمان ومعاني العبادة
تعد الأضحية من الشعائر العظيمة التي شرعها الله تعالى في الإسلام، وجعلها مرتبطة بأحد أعظم المواسم الدينية، وهو عيد الأضحى المبارك. والأضحية ليست مجرد ذبحٍ لحيوانٍ من بهيمة الأنعام، بل هي طاعة وقربان لله، ومظهر من مظاهر التوحيد والإخلاص، وشكرٌ لله على نعمه. وقد وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تؤسس لمشروعية الأضحية وتبيّن حكمها وحكمتها، وتربطها بقصة إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وبمقاصد التقوى والخضوع لله عز وجل.
يتضمن هذا المقال الموسع عرضًا لأبرز الآيات القرآنية التي تحدثت عن الأضحية، مع تحليل دلالاتها، وبيان أبعادها التشريعية والروحية والاجتماعية، بما يعمق الفهم لهذه الشعيرة ويبرز مكانتها في منظومة العبادات الإسلامية.
أولًا: مشروعية الأضحية في القرآن الكريم
من أبرز الآيات التي أسست لمشروعية الأضحية، ما ورد في سورة الكوثر، حيث يقول الله تعالى:
﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 2]
هذه الآية القصيرة تُعد أصلًا في مشروعية الأضحية، حيث أمر الله نبيه محمدًا ﷺ بأمرين: الصلاة، والنحر. وقد أجمع جمهور المفسرين على أن “وانحر” تشمل الأضحية، بل هي أول ما يُفهم منها، أي اذبح قربانًا لله تعالى كما فعل إبراهيم عليه السلام.
كما ورد في سورة الحج:
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36]
في هذه الآية إشارة إلى أن ذبح الأنعام قربانًا لله من شعائر الدين، أي من الأمور التي شرعها الله لتعظيمه، وتُؤدى في مواقيت مخصوصة.
ثانيًا: الأضحية في قصة إبراهيم وإسماعيل
تمثل قصة إبراهيم عليه السلام مع ابنه إسماعيل واحدة من أعظم صور التضحية والطاعة المطلقة لأمر الله. وقد وردت تفاصيل القصة في سورة الصافات:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾
﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ﴾
﴿قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾
﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: 102-107]
تُظهر هذه الآيات جوهر الأضحية، وهو التسليم والانقياد الكامل لله تعالى. وقد جعل الله هذا الحدث المبارك شعيرة متكررة، يذبح فيها المسلمون الأضاحي تذكيرًا بطاعة إبراهيم، وتأكيدًا على أن القرب من الله لا يكون إلا بالتضحية والإخلاص.
ثالثًا: الغاية من الأضحية
يبين القرآن أن الله لا ينظر إلى الدماء ولا اللحوم، بل إلى نية العبد وتقواه، كما في قوله تعالى:
﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ﴾ [الحج: 37]
هذه الآية تعد من أهم الآيات التي تحدد الغاية من الأضحية، وتؤكد أن الهدف ليس مجرد ممارسة شكلية، بل تحقيق التقوى والخضوع لله. فالمقصود ليس اللحم بحد ذاته، بل أن يكون هذا الذبح خالصًا لله، طاعةً وقربةً.
كما أن تقديم الأضاحي يكون مقرونًا بذكر اسم الله، ليتحقق بذلك الإخلاص لله:
﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ [الحج: 34]
رابعًا: الأضحية من شعائر الله
في سياق تعزيز الشعور بالتعظيم لشعائر الدين، جاء قوله تعالى:
﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]
وتُعد الأضحية من أوضح مظاهر تعظيم الشعائر، إذ أن المسلم يتحمل الكلفة والجهد في شراء الأضحية وذبحها، ويدخل في ذلك نية عظيمة وسنة جليلة.
خامسًا: الأضحية والبعد الاجتماعي
القرآن الكريم يشير إلى أن للأضحية بعدًا اجتماعيًا، فهي وسيلة لإدخال السرور على الفقراء والمحتاجين، كما في قوله تعالى:
﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ [الحج: 36]
أي أن الأضحية ليست مجرد عبادة فردية، بل شعيرة جماعية تُجسد التكافل الاجتماعي، وتُظهر عظمة الإسلام في الجمع بين العبادة والرحمة.
سادسًا: أنواع الأنعام المخصصة للأضحية في ضوء القرآن
الأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم، كما جاء في قوله تعالى:
﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [الحج: 36]
والبدن هنا تُطلق على الإبل خصوصًا، وقد اتفقت الأمة على أن الأضحية لا تصح إلا من الإبل، أو البقر، أو الغنم.
جدول يوضح دلالات الآيات المرتبطة بالأضحية
| الآية | السورة | الدلالة الرئيسة |
|---|---|---|
| ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر﴾ | الكوثر | أمرٌ بالنحر، وتشريعٌ للأضحية |
| ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ | الصافات | أصل قصة الأضحية في الإسلام |
| ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا﴾ | الحج | الغاية: تقوى القلب لا مجرد الذبح |
| ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا﴾ | الحج | البعد الاجتماعي للأضحية |
| ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا﴾ | الحج | تحديد نوع الأنعام المخصصة للأضحية |
| ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ﴾ | الحج | تعظيم الأضحية من تقوى القلوب |
سابعًا: البعد الروحي للأضحية
تُعد الأضحية تجديدًا للعهد بين العبد وربه، وبيانًا للولاء لله وحده، ونبذًا لكل صور الشرك أو العادات الجاهلية. وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في قوله تعالى:
﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام: 162-163]
فالنسك هنا يشمل الأضاحي وكل ما يُتقرَّب به من الذبائح، ويجب أن يكون كله خالصًا لله، خاليًا من الرياء أو التقاليد المخالفة للعقيدة.
ثامنًا: الأضحية وتوحيد الأمة في الشعائر
تؤدى الأضحية في أيام معدودة من السنة، ويتزامن ذلك مع وقفة عرفات والحج، مما يعطي هذه الشعيرة بُعدًا وحدويًا عظيمًا، فالمسلمون في جميع أنحاء العالم يذبحون في وقت واحد، توحدًا في الطاعة، وتذكيرًا بالوحدة الإسلامية. وقد أشار القرآن إلى تعيين الزمن بقوله:
﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 28]
تاسعًا: حكمة التكرار في سورة الحج
تُعد سورة الحج من السور التي أكثرت من الحديث عن الأضحية، وكررت الإشارة إليها في عدة مواضع، مما يدل على أهميتها في منظومة العبادات. هذا التكرار يلفت النظر إلى مكانة هذه الشعيرة، وربطها الدقيق بالركائز العقدية والاجتماعية في الإسلام، ويؤكد أن الأضحية ليست مجرد سنة نبوية، بل شعيرة قرآنية موغلة في عمق العقيدة.
المصادر والمراجع
-
تفسير الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن.
-
تفسير ابن كثير، دار طيبة للنشر والتوزيع.
